AHDATH.INFO – أصيلة - خاص - عبد العالي دمياني
قلائل هم الذين يعرفون أن جداريات أصيلة كانت من بين أبرز عناوين موسمها الثقافي الدولي منذ انطلاقته قبل 38 عاما. الأسماء التشكيلية الكبرى، التي كانت تحضر إلى هذه المدينة الأطلسية الملفعة بالأزرق البحري خصيصا لإنجاز جدارية تخلد بها عبورها تضيء هذه الحقيقة.
يكفي ذكر الفنان العراقي رافع الناصري، والفنان المصري محمد البهجوري، والفنان السوداني المقيم بأمريكا محمد عمر خليل، الذي كان له الفضل في فتح ورشة فنون الحفر والإشراف عليها حتى اليوم. كما أن لا يمكن نسيان كلا من جماعة البعد الواحد في بغداد وجماعة المحور في مصر.
الفنانون المغاربة الأساسيون كان لهم أيضا نصيب وافر في صناعة تاريخ الجداريات بفضاءات أصيلا. الراحل محمد قاسمي والراحلة الشعيبية طلال والراحل فريد بلكاهية، ومحمد المليحي وعبد الله الحريري وسواهم كثير ممن بصموا آثارهم على جدران المدينة ونفحوها هوية بصرية.
دمغة فنان مثل المليحي ترتسم اليوم، ليس على حيطان أصيلا كما عهد سابق، وإنما على بلاطات مدينتها العتيقة. موجاته، التي اشتهر بها اعتمدها المجلس البلدي علامة تميز أرضية المدينة، حيث تدفع بخطوات العابرين على إيقاع مد متموج يجول بها في أزقة تعبق بالتاريخ.
الجداريات فكرة غربية فريدة من نوعها. الأساس في هذا المسلك الفني جعل الفضاء العام نابضا بحس جمالي يثقف العين ويرقى بالروح في مدارج الفن. إنها ورش يروم إحداث تناغم نفسي بين الإنسان وفضائه. وهي من سمات الفن المعاصر، الذي تمرد على الفن الكلاسيكي، وأخرج اللوحة من القاعات المغلقة والصالونات ومن حواملها التقليدية ليجعلها تحيا في الهواء الطلق.
مع الجداريات يتنفس الفن ملء حريته. يصبح اللقاء بين المتلقي واللوحة غير خاضع لأي مواضعات مسبقة. إنه لقاء حر ومفتوح حيث يشكل الاقتسام مبدأه الأول. ومع ذلك، فإن للجداريات خصوصياتها. فهي ليست اشتغالا بمنطق العمل على اللوحة، بل بمنطق الجدار نفسه وما يحيط بها. لذلك تتطلب مراسا ودربة وذكاء في قراءة الجدار وأبعاده.
هذا العام لا يشذ موسم أصيلة عن سابقيه. لقد انطلق الشغل على الجداريات قبل حلول موعد المهرجان بأيام. حين جاء ضيوف الموسم كان عرس المدينة قد أولم حيطان المدينة بألوان قوس قزح وأفرد للعين حفلها البهيج. ستجد أن النحات والتشكيلي عبد الرحمان رحول قد وقع على حضوره بجدارية أدخل فيها لأول مرة في أعماله الأسماك. إنه إيحاء المدية وهي تعيش على هذه الثروة البحرية كل يوم.
وأنت تتوغل داخل المدينة العتيقة ستطالعك جدارية للفنانة اليابانية ميزوري سوانو. عمل ملتو يشغل واجهتين جداريتين. يبدأ في إحداها ليكتمل في الثانية الموصولة بسور البحر. أثر ارتأت أن تهديه إلى روح الفنان فريد بلكاهية، حيث المزج بين الدوائر والتموجات يوازيه مزج بين الألوان الباردة والساخنة.
ثمة أيضا جدارية عمر سعدون من شفشاون. عمل يزاوج بين التجريدي والتشخيصي من خلال اعتماد موتيفات وردية. ليس ثمة تصميم مسبق بل اشتغال حر، لذلك تبزغ الأشكال التجريدية وهي توحي بمناظر طبيعية من الناحية البانورامية. والألوان الساخنة تعكس عفوية والعمل وحرارة الاشتغال على الجدار وفق ما يمليه على الفنان.
في مكان آخر من المدينة تصادفك جدارية أخرى تحمل توقيع عزيز لغزار من أكادير. تجريدية غنائية تتداخل فيها الأشكال عبر الاعتماد على لطخات الفرشاة العريضة، وهي تتكون من ثلاثة أبعاد كدليل على أن ما هو تشخيصي قد تمت إعادة تشكيله بطريقة تجريدية.
الموسم أتاح الفرصة هذا العام لشباب المدينة من أجل التعبير عن طاقاته في رسم الجداريات. هبة الخمليشي واحدة من هؤلاء، وقد خطت طائرا على أحد الحيطان المواجهة للقصبة البرتغالية باستثمار رموز غرافية. إنها شابة لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها، تحتضنها أصيلة بعد أن تكونت في ورشاتها منذ الطفولة.
ستجد هنا أيضا جداريات تمارس سحرها على بصرك لكل من أمين بختي وسارة أحلالوم ورحيمة العروض. أسماء تفتقت في مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، التي يحتفي الموسم هذا العام بمرور سبعين سنة على إنشائه. طريقة أخرى لتكريم رواد معملة ثقافية عريقة تخرجت منها أسماء كبيرة في سماء الفن التشكيلي المغربي.
في الممر القائم حذاء دار الثقافة أو قصر الريسوني يعرض فنانو أصيلة الشبان إبداعاتهم. منحوتات تمتزج فيها مواد صلبة مثل الحديد والحجر وأيقونات تجريبية من الخشب تعكس مظاهر المدينة في ألوانها وأشكالها وتحمل تأثير الفنان عبد الكريم الوزاني. وثمة خطاطيف من الورق المقوى الأسود معلقة في سقوف الممر حيث تبني السنونوات أعشاشها منذ زمن بعيد.